أمّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد الحرام فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام معالي الشيخ الدكتور صالح بن حميد فتحدث فضيلته في خطبته الأولى عن هم التربية فقال :
لا هم يعلو فوق هم التربية والتربية ليست مشروع أسرة ، أو مشروع مدرسة ، بل هي مشروع أمة ، ومشروع دولة .
الزراعة تنتج الغذاء ، والصناعة تصنع الأدوات ، والتجارة تجلب الموارد ، أما التربية فتبني الإنسان والوطن ، وتصنع ذلك كله .
التربية عمل يُكْتَسب ، وعلم يُتَعلم ، والتزامُ يطبَّق .
والتربية تنمي القدرات ولا توجدها ، وتطور الملكات ولا تنشئها ، ومن شب على شيء شاب عليه.
التربية الصحيحه تحفظ الوطن قبل أن يحرسه الجيش المنظم .
ثم تحدث فضيلته عن أثر التربية فقال : هذه هي التربية في مكانتها ، وأثرِها ، أما محلها وميدانها فهم أولادنا :قرة العين ، وسلوة الفؤاد ، وزينة الحياة ، وأنس العيش ، وثمار القلوب ، وعماد الظهور، بناة الغد ورجاله ، ومفكروه ، وسواعده ، ودروع الوطن ، وحماة استقراره ، ومستودع أمانات الوالدين والمعلمين .
الله الله فيهم ، فما أعظم المسؤولية ، وما أكبر المهمة .
ثم وجه فضيلته رسالته للأباء والأمهات فقال: أيها الأباء أيها الأمهات : هم التربية فوق كل هم ، لا يعصم من الذنوب سوى مراقبة علام الغيوب ، اغرسوا فيهم عقيدة التوحيد ، تنشرح بها قلوبهم ، وتسكن إليها نفوسهم ، وتنشرح بها صدورهم ، وتلهج بها السنتهم ، وتقوم عليها أعمالهم ، ربوهم على تقوى الله وخشيته ومراقبته ، حتى لا يرجو الولد إلا ربه ، ولا يخاف إلا ذنبه .
يتعلقون بالله جل جلاله ، ويتوكلون عليه ، ويتمسكون بكتابه ، ويلتزمون سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، ويستعينون بالصبر والصلاةَ ، ويذكرون الله كثيرا .
أيها الأباء أيها المعلمون : حببوا إليهم القراءة ، وطلب العلم ، فالعلم سلوة العيش ، ودليل الحيرة ، وأنيس الوحشة ، وخيرُ ما يُعلَّمون كتابُ الله ، تلاوة ، وحفظا ، واستماعا ، في البيت ، وفي المدرسة ، وفي سائر المرافق ، والأحوال ، وبقدر ما يقرأ الولد من كتاب الله تزداد طمأنينته ، وتحصل سعادته .
أيها المربون : أقيموا ألسنتهم بلغة القرآن حتى تُحفظَ لغتهم ، ويحلوُ بيانهم .
معاشر الأحبة : ليس أعظم ضعفاً ، ولا أشد هزالاً من أن يتكلمَ المرء بغير لغته ، ويؤرخَ بغير تاريخه ، ويفاخرَ بغير إنتاجه ، ويحتفلَ بغير أعياده .
علموهم أن يغتنموا تعليم العالمِ ، ويستمعوا إلى نصحِ المشفق ، وإرشادِ الحكيم ، وبذلِ الكريم .
ثم اختتم فضيلته خطبته الأولى عن تاثير القدوة في تربية الأبناء فقال : ومن أعظم وسائل التربية وأنجحها : التربية بالقدوة .
الأبناء بحاجة إلى قدوات لا إلى نُقًّاد .
جالسوهم ، صادقوهم ، تحدثوا إليهم ، فرغوا أنفسكم من أجلهم ، إنكم إن لم تجدوا لهم عندكم وقتا ، فلن تجدوا عندهم لكم مكانا .
إعطاؤهم من وقتكم خير لهم من إعطائهم من مالكم ، وأن تستثمروا فيهم خير من أن يستثمروا لهم .
كونوا لهم قدوة بحكمة العقل ، وعفة اللسان ، وصدق الحديث ، وطهارة اليد ، وحسن الخلق .
يقول عمر بن عُتْبة مخاطبا معلم ولده : ليكن أولُ إصلاحك لولدي إصلاحَكَ لنفسك ، فإن عيونهم معقودة بعينك ، فالحسن عندهم ما صنعت ، والقبيح عندهم ما تركت .
كونوا لهم مستمعين يكونوا لكم بررة .
أحبوهم ، وأثنوا عليهم ، وشجعوهم ، بادلوهم المزاح والمرح .
احذروا أن تستحوذ على الأبناء والبنات أدواتُ التواصل ، والمواقعُ الافتراضية .
بثوا فيهم الوعي : فلا يصدقوا كل صورة ، ولا يستسلموا لكل تغريدة ، ولا يقبلوا كل معلومة ، ففي كثير منها مواطنُ الزلل ، ومواقعُ الخلل .
لا يجعلوا أدواتِ التواصل محطات عبورٍ لشائعة ، أو سبيل لغيبة ، أو طريق لكِذْبة تبلغ الآفاق ، فالأوزار والآثام محسوبة بلمسة لم تكن في الحسبان .
وجهوهم أن يجعلوا منها نقاط تفتيش تحجز الأذى ، وتمنع الفحشاء .
ومن أعظم ما يستهدف في التربية ، إقامةُ بناء الشخصية في الناشئة ، والاعتزاز بالقيم ، والاعتداد بالنفس ، والبعد عن التقليد المميت ، والحذر من الاندفاع وراء مهازيل المشاهير في ملبس أو مطعم أو سلوك ، فالعزة لله ولرسوله ، وللمؤمنين ، ولكن المنافقين لا يعلمون .
وتحدث فضيلته في خطبته الثانية عن فضل تربية الأبناء ونفعهم بعد الممات فقال: تربية الأولاد إحسان ، وطاعة ، وأجر ، وقد أثر عن بعض السلف قوله : ( إن من الذنوب ما لا يكفره إلا همُّ الأولاد) .
الوالدان هما الأرض الذليلة ، والسماء الظليلة ، والــمُدَّخرَان لكل جليلة .
أيها الآباء أيها المعلمون :علموهم أن الوطنية : إخلاص ، وعمل ، وبناء ، وتعاون ، وحماية ، وأمانة ، واحترام ، تحبه وتدافع عنه ، ولا تنتقص منه ، ولا ترضى أن ينتقص منه ، وتقف في وجه إعدائه المتربصين به ، والحاقدين عليه .
الوطنية : محافظة على الممتلكات ، والمرافق ، والمقدرات ، وسلوك سبيل الرشد ، والترشيد في الصرف والاستهلاك ، والطاقة والثروات ، وحماية النزاهة ، ومكافحة الفساد أيا كان مصدره ، وأيا كان مقترفه .
علموهم أن المواطنة : توظيف الملكات ، والقدرات ، والخبرات ، في خدمته ، وتعزيزه ، ورفعته على الأصعدة كافة .
الوطنية عين ساهرة ، وهمة عالية ، وسعي حثيث إلى مراقي النجاح .
الوطنية أن يكون المواطن الصادق مرآة لوطنه ، فما يصدر عنه هو انعكاس لوطنيته .
الوطنية أن يكون المواطن رمزاً لوطنه في الداخل وسفيراً له الخارج .
الوطنية : أن تكون قدوة صالحة صادقة ناصحة ، تحفظ لولاة الأمر حقهم من الطاعة ، والمحبة ، والنصح ، والدعاء ، وصدق الولاء .
الوطنية ولاء ينبذ العصبية بكل أشكالها .
ثم اختتم فضيلته خطبته بالحديث عن اليوم الوطني فقال : فإذا كانت هذه هي بعض معاني الوطنية ومظاهرها فما بالكم إذا كان الوطن هو مهدَ الإسلام ، وبلدَ المقدسات ، الذي يرفع راية الإسلام ، ويحكم الكتاب والسنة ، إذا كان الوطن هو المملكةُ العربيةَ السعوديةَ.
الوطنية في هذا البلد المبارك التزام بدين الله ، عقيده وشريعة ، واتباع النهج السلف الصالح ، في ثوابته ، وأخلاقه ، وجميل عاداته ، وأعرافه ، والنصح لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم .
وإذا كان ولي الأمر في هذه البلاد المباركه -حفظه الله -، أشرفُ لقب يحمله هو : ( خادم الحرمين الشريفين ) ، فلا شك أن المواطنين تبع له في شرف الخدمة لهذا البلد المبارك ، بلد المقدسات ، نعم حفظكم الله : إن أعلى ما يجسده معنى المواطنة هو خدمة الوطن ، بكل معاني الخدمة ، ومتطلباتها ، ومستلزماتها .
ألا فاتقوا الله رحمكم الله : فكلكم راع ، وكلكم مسؤول عن رعية ، فالرجل راع في بيته ، ومسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها ، ومسؤولة عن رعيها ، إلا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته .