أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور ماهر المعيقلي المسلمين بتقوى الله عز وجل والعمل على طاعته وإجتناب نواهيه ، وقال في خطبة الجمعة يوم أمس من المسجد الحرام بمكة المكرمة إن إجتماع الكلمة ضرورة في كل وقت وحين فالمسلمون اليوم أحوج إليه من أي وقت آخر ، وإذا كنا نريد وحدة الأمة فلا بد من إستيعاب تعدد الآراء والإجتهادات في حدود شرعنا المبارك وأنبياء الله قد إختلفوا فيما بينهم وهم خيرة خلق الله جل جلاله وتقدست أسمائه وذكر الله ما حدث بين موسى عليه السلام وهارون فالخلاف قد حصل ولكن كل منهما للآخر قد عذر ولا يجوز لأحد أن يجعل من هذا الخلاف سببا للفرقة والنزاع وإختلاف القلوب ، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك ، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما بينهم من المودة والرحمة والألفة قد يحصل بينهم خلاف ولكن كانت نفوسهم صافية نقية ، فهذا حسان بن ثابت رضي الله عنه قد خاض فيمن خاض في حادثة الأفك فقال عروة إبن الزبير( ذهبت أسب حسان عند عائشة رضي الله عنها فقالت لا تسبه فإنه كان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .
وأضاف إمام وخطيب المسجد الحرام أنه قد خالف إبن عباس زيد إبن ثابت في بعض المسائل ورغم هذا الخلاف فقد كان إبن عباس رضي الله عنهما يأخذ بخطام ناقة زيد ويقول هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا وفقهائنا وكان زيد رضى الله عنه يقبل يد إبن عباس ويقول : هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، وهكذا سار التابعون وتابعوهم عند اختلافهم، على نهج الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فحفظوا حقوق الأخوة الإيمانية التي تجمعهم، فقال الإمام أحمد: “لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق، وإن كان يخالفنا في أشياء، فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضاً”.
والمسائل التي خالف فيها الشافعيُّ أبا حنيفة في الفقه كثيرة، ومع ذلك قال الشافعي : ” النَّاسُ فِي الْفِقْهِ، عِيَالٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ “.
وقال يونس الصدفي: ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوماً في مسألة، ثم افترقنا، ولقيني، فأخذ بيدي ثم قال: يا أبا موسى، ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة.
فهذه المواقف النيرة يا عباد الله، من تاريخ سلفنا الصالح، هي الموافقة للمقاصد الشرعية، الآمرة بالتآلف والتراحم، الذي يجب أن يسود بين المسلمين جميعاً، لا أن يكون الشقاق والنزاع هو الأصل في كل خلاف، لأجل أن لا تذهب ريح المسلمين وتضعف قوتهم، والله تعالى يقول: (( وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ )).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي ” الْأَحْكَامِ ” فَأَكْثَرُ مِنْ أَنْ يَنْضَبِطَ، وَلَوْ كَانَ كُلَّمَا اخْتَلَفَ مُسْلِمَانِ فِي شَيْءٍ تَهَاجَرَا، لَمْ يَبْقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عِصْمَةٌ وَلَا أُخُوَّةٌ، وَلَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا سَيِّدَا الْمُسْلِمِينَ يَتَنَازَعَانِ فِي أَشْيَاءَ لَا يَقْصِدَانِ إلَّا الْخَيْرَ”.