في آواخر السبعينيات الهجرية استُقدم خليل الوزير "أبو جهاد" ورفيق دربه صلاح خلف "أبو إياد"وآخرون كمعلمين للعمل في مدارس منطقة القنفدة بتوصية من معالي الشيخ ناصر المنقور -مدير مكتب العمل السعودي بالقاهرة آنذاك-، ولم يمكث أبو جهاد في مدينة القنفدة سوى ثلاثة أشهر حظي فيها برعاية أمير المنطقة وأُسكن أفضل بيوت المدينة كما قال هو بنفسه في مذكراته، ومن يقرأ ما سنورده من مذكراته سيجد تغلغل كراهية ولؤم من احتضنتهم المملكة العربية السعودية لها ولشعبها من بعض الفلسطينيين على الرغم من وقوف المملكة حكومة وشعبًا مع الشعب الفلسطيني وقيادته وقت سلب حقوقهم من الاحتلال البريطاني والصهيوني منذ عام 1936م وحتى يوم الناس هذا، وفي جميع المؤسسات الدولية والمشاركة بالشهداء السعوديين في حرب 1948م وما بعدها من حروب.
وقد سار على نهج أبي جهاد كل من امتهن الكتابة من الفلسطينيين شتمًا وتقريعًا لبلادنا كإبراهيم نصر الله في روايته "براري الحمى"، وجمال ناجي في روايته "الطريق إلى بلحارث " والروايتين عن منطقة القنفدة كذلك وغيرهم. وما نشاهده ونسمعه في أيامنا هذه من فحش القول وفجور وقبح في وسائل الإعلام من فلسطينيين ما هو إلا حلقات من مسلسل نكران الجميل وعض ليد الإحسان السعودية التي امتدت لهم دون منة. فمن كان قدوته ياسر عرفات وأبي جهاد وقادة حماس والمنتسبين لها داخل أراضي 48 أو في قطاع غزة والضفة الغربية أو في الشتات لن يستغرب هذا السلوك العدواني من رواد وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي!
وأدناه تجدون ما سطَّره أبو جهاد في مذكراته عن فترة زمنية لا تتجاوز ثلاثة أشهر في مدينة القنفدة ويقول: "وهناك -يقصد القنفدة- استقبلنا مدير التعليم في المنطقة، وأذكر أن اسمه الأهدل - يقصد الأستاذ أحمد عبد الغني الأهدل رحمه الله-، وأمير المنطقة -يقصد الشيخ إبراهيم عبدالعزيز البراهيم رحمه الله-، وكان استقبالًا جيدًا، فالبيت الوحيد الذي كان في المنطقة كان بيت رئيس البلدية -يقصد عبدالغني مرزا رحمه الله-، وهو مبني من الطوب ولم يكتمل بعد، وأصرّوا على أن يكون مسكني! وأذكر أنني قمت بتنظيم المدرسة -يقصد المدرسة السعودية- بشكل مختلف عمّا كانت عليه، ما سرّ مدير التعليم هناك".
إخراج مسرحية
"لم يمض وقت طويل إلا وكان وجه القنفذة قد تغيّر كليًا، إذ تمكنا من إعادة صنعها لدرجة أن صحيفة عكاظ أصبح همّها متابعة التطورات القائمة في القنفذة. وكنت وزميل معي يدعى محمد البدوي التونسي نقوم بالكتابة إلى عكاظ حول التطورات الجديدة في القنفدة. فضلًا عن ذلك، فقد قمنا بتأسيس فريق كرة قدم، وفريق آخر لكرة السلة، وكتبنا ومَثّلنا مسرحية تدور حول نضال الجزائر، كتبها محمد البدوي، فيما قمت بإخراجها وتمثيلها، وأذكر أن المنطقة قد اجتمعت كلها، وعلى رأسها الأمير، لمشاهدة المسرحية".
ويضيف أبو جهاد قائلًا: "أما عن الحياة المعيشية فقد ذقنا الأمرّين، إذ كانت الصعوبة في حياة المنطقة أمرًا لا يطاق فعلًا، لدرجة أنه لم يبق أحد من المدرسين إلا وأصيب بالملاريا.. مكثت ثلاثة أشهر في هذه المنطقة، مرّت وكأنها دهور، وبعد ذلك حيث لم أعد قادرًا على الاحتمال طلبت المغادرة على أساس أن لديّ موعدًا في القاهرة، فطلبوا مني توزيع الحصص المخصصة لي على المدرسين الآخرين، وأبدى الجميع استعداده بروح عالية. وحين غادرت كان المرض قد حلّ بي بحيث لم أكن قادرًا على تحريك أي جزء من جسمي، بل كنت أحسّ وكأني أغيب تدريجيًا عن الوعي، لدرجة أنني كنت أرى أمير المنطقة الذي كان في وداعي وكأنه خيال أو شبح. وكان هناك طبيب المنطقة الذي أصرّ على إيصالي بسيارته، ورغم إحساسي الشديد بوطأة المرض، إلا أن الغريب الذي حدث أنه بمجرد مغادرة السيارة للمنطقة شعرت بعافية جديدة تهطل عليّ، وكأن كابوسًا قد انزاح عن صدري". انتهى.. انظر: يوسف الشايب، منصة الاستقلال الثقافية.
لقد كتب أبو جهاد في بداية مذكراته هذه ونهايتها ما يكذب ما سرده في حق القنفدة وبلادي ظلمًا وعدوانًا!