الشعر العربي كائن حي باق ما بقيت البشرية على وجه الأرض، جنبًا إلى جنب، دائم الحركة غير خامل، أشجاره وارفة، وأنهاره عذبة جارية، يتلون بألوان عصره الذي يعيش فيه، دائم الترحال غير مقيم، كل عصر عصره، وكل زمان زمانه، يسير في خط مستقيم، بانسيابية منطقية، عاشق التفاصيل، مغرم بتدوين كل شاردة وواردة، في كل ما يخص البيئة التي يعيش فيها بغضها وغضيضها، لعبته الوصف الدقيق لكل شيء وقعت عيناه عليه، ووطئته قدماه، أو لامس بنانه، في حله وترحاله، في صحوته ونومه، في حربه وسلمه، في نزهة صيد أو رحلة جهاد، مراسيم فرح، أو حضور مأتم.
والأعجب من عجب في صورة نشوة عز وفخر بشعرنا العربي، أنك إذا حدقت النظر فيه رأيت في محياه الزاهر زهورًا جميلة ريحها فواح زكي، وطعمها حلو حلاوة شهد مصفى، على ضفاف أنهار عذبة صافية جارية صوت تداخلت فيها أصوات شجية، خرير ماء، وتغاريد بلابل، ما أجملها من لوحة! إنها حضارتنا العربية الإسلامية العريقة.
أيها الشعر العربي، أنت بحق متحف شامل كامل، ليس كأي متحف جمعت كل شيء، سكونًا وحركة، كدرًا وصافٍ، وبياضًا بسواد، بل وسعت كل ألوان الطيف، وحويت حصاد السنين من عصر المعلقات إلى حينه، شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، وقلت لكل جيل هاؤم تراثكم فاقرؤوه.