وصلت سيارة المراسم الملكية السعودية إلى مقرِّ انعقاد قمة العشرين في أوساكا باليابان، الكل متشوِقٌ للقاء تلك الشخصية التي ستمثل المملكة؛ فقد ذاع صيتها، وتردد صدى أفعالها حتى بلغ الآفاق. توقفت السيارة، وفُتِحت الأبواب، وما هي غير لحظاتٍ حتى ترجَّلت من داخل السيارة هيبةٌ في رداء الشباب، تتوشح البياض وكأنها ملاك، يفوح منها عبق الثقة وعطر الشموخ، أرغمت الجميع على الانحناء إجلالًا وخضوعًا، وانطلق الحاضرون في سباق؛ للحُظوة بمصافحة الشخصية القادمة، والظَفَر بحديثٍ جانبيٍّ معها، حتى كبيرهم لم يستطع كبح جماح إعجابه، فأطلق لمزاحه ومداعبته العنان. وهناك في الصورة الجماعية، اتخذ كلُّ زعيمٍ مكانه على المنصة باكرًا؛ ليجد له مكانًا يكون فيه ظاهرًا، إلا الأمير الشاب، فقد أبى عليه كبير القوم إلا أن يخرج بصبحته زيادةً في الإعجاب.
انقضت القمَّة بعد أن طبعت في الأذهان صورةً لما تمتلكه تلك الشخصية من الفكر، والحكمة، والدهاء، والطموح، والثقة، الأمر الذي أغرق الجميع في تخيُّل ما يمكن أن تحققه تلك الشخصية، وهي تقود دولةً عظمى، مترامية الأطراف؛ لتصنع منها منافسًا قويًّا. الأمر -لا شك- جللٌ، وأشدُّ خطورةً من أن تتخيله عقولهم؛ فهو يمثِّل تهديدًا لمصالحهم، وعَظَمة دولهم.
وبدأت خيوط المؤامرة تحاك؛ لإبعاد القائد المظفر عن ميدان المعركة، بدءًا بإسقاط كبيرهم الذي أبدى إعجابه بتلك الشخصية؛ لأنه -بالتأكيد- لن يقف إلى جانبهم في مرادهم بعد الإعجاب الذي أبداه. تمَّ الإسقاط بنجاح، بل وبأسوأ صور الإذلال؛ لأنه تخطى غاياتهم وأهدافهم، ثم بدأت المرحلة التالية من مراحل المؤامرة، بالزعم أن هناك ملفاتٍ سريَّةً، تدين الأمير الشاب، ظهرت بعد أن كانت مخفيَّةً. من أخفاها؟! ولماذا؟! ولأي سببٍ ظهرت في هذا التوقيت بالذات؟! كلها أسئلةٌ تُظهِر وَهَنَ الخيوط التي حيكت بها المؤامرة، وجاءت صياغة التقرير ب (نظن، ونعتقد، و...) لتكون الرياحَ العاصفةَ التي تمزِّق ما بقي من خيوط، ولما رأى القوم أن مآل مؤامرتهم إلى انحلال، وأن هيمنتهم ستؤوب إلى الزوال، صاحوا بكلابهم ومرتزقتهم؛ للعواء والنباح، في كل وادٍ ومراح، وزودوهم بأنيابٍ، بغية الإخافة حينما يكشِّرون، لكن الخوف تملَّكهم حينما اصطدم خَوَرُهم وجُبْنُهم بحُماةٍ نذروا أنفسهم للذود عن دينهم، ووطنهم، والتضحية بكل غالٍ ونفيسٍ عن ولاة أمرهم.
لسنا ضعفاء مثلكم لنخطِّط من وراء الأسوار، ولا وُهاةً مثل من أسقطتموهم لنؤول إلى انحدار؛ نحن من قطرت سيوف أسلافهم دماءً وهم يذودون عن محمد ﷺ في ساحات المعارك، ونحن من سيقف مجدَّدًا لفداء محمَّدنا بدمائنا وأرواحنا.