القراءة ليست هواية أو ترف مثل المشي أو الطيران أو الرحلات، القراءة ضرورة حياة، يقول ابن الجوزي رحمه الله في كتابه صيد الخاطر: "أفضل الأشياء التزيُّد من العلم، فإن من اقتصر على ما يعلمه استبد برأيه، وصار تعظيمه لنفسه مانعًا من الاستفادة، والمذاكرة تُبيِّنُ له خطأه"، ويلخص الكاتب الكبير جراهام جرين أهميتها بقوله: "أحيانًا أفكر أن حياة الفرد تشكلت بواسطة الكتب أكثر مما ساهم البشر أنفسهم في تشكيل هذه الحياة".
وذكر المقريزي -رحمه الله- في درره هذه الأبيات التي تزيد الهمة للقراءة:
وقد أعرضَتْ نفسي عـن اللهو جملةً *** وملّت لقاء الناس حتى وإنْ جلّوا
وصـار بحمـد الله شـغلي وشـــاغـلي *** فــوائد علمٍ لستُ من شُغلها أخلوا
فطــورًا يَرَاعـــــي كـــاتبٌ لفـوائـــدٍ *** بصحّتها قــد جـاءنا العـقل والنقلُ
وآونــة للـعـلـــــم صــــدريَ جامــعٌ *** فتزكو بــه نفسي وعن همّها تسلو
على كل منا أن يسأل نفسه ما مدى حبه لشراء الكتب، وقراءة ما لم يقرأه سابقًا، وما مدى حبه لإعادة قراءة ما قرأ، والأهم من هذا كله كم يحفظ من كل كتاب يقرأه: كله، نصفه، بعضه، لا شيء؟!، فالبعض يؤجل القراءة بسبب التسويف فقط، رغم أنها أساسية لكل من يعشق الحياة، والبعض الآخر ينشغل عنها بأمور هي -القراءة- مهمة لتسهيلها والإجادة فيها، إن القراءة حصان من يريد الوصول إلى أعلى المراتب، وتحقيق عظيم الأمنيات.
فلم يبرع علماء المسلمين الأوائل ويفيدوا العالم إلا بعد قضاء الكثير من الأوقات في محاريب القراءة، والقطف من بساتينها، لنيروا للعالم طريقه بكتبهم وكمثال على هذا -حسب المصادر- كتب الرازي 113 كتابًا، ورسالة علمية كلها في الطب، وابن سيناء 450، والبيروني 150، والكندي 241، و الحسن بن هيثم 92، وغيرهم الكثير، ولم يؤلفوها إلا من بحر علم لم يحصلوا عليه إلا بالقراءة والحفظ، وليس القراءة فقط.
عندما تقرأ كتابًا في الشهر وتستوعب مافيه وتحفظ ما يحتاج للحفظ تكون حفظت 12 كتابًا في العام، وبدأت تبرَع في 12 فرعًا من فروع المعرفة، وللوصول إلى الكتاب الجامع في أي تخصص تريد أن تقرأ فيه عليك بسؤال أهل الاختصاص مثل أساتذة الجامعات ليدلوك على كتاب أو اثنين تغنيك عن الكثير من الكتب وتختصر الجهد والوقت والمال، وتعطيك حصيلة علمية رائعة، وتذكَّر أن من يريد أن يكون أديبًا فعليه أن يقرأ شيئاً عن كل شيء، ومن أراد أن يكون عالماً فعليه أن يقرأ كل شيء عن شيء، وتذكر أن القراء ضرورة حياة.