لم يكن دخول أحد المصلين في صلاة الجمعة هذا اليوم بجامع النور في قرية البخرة بالعرضية الشمالية بمحافظة العرضيات بالأمر الهيّن والسهل.
أنه الرجل الذي جعل له في كل شبر من القرية بصمة، وجعل له في كل جهة حقبة من الذكريات، وجعل له في كل بيت قصة خالدة، تناظر عينيه فترى كل الماضي يمر سريعًا أمام عينيك في لحظة، مازال أسمه على كل لسان لكل القصص الجميلة للقرية في السنوات العجاف، لا يكاد يذكر أسمه إلا ويذكر موقف نبيل يدل على الشهامة والنخوة والرجولة، هو الرجل الذي سكن القرية في فترة من الزمن الجميل في سنوات ماضية، كان الصديق للجميع كان السند لمن لا سند له، عُرف بمواقفه المشرفة، فقد كان الناس يعتمدون عليه في مواقف كثيرة لبسالته، كان نعم الأخ والصديق الوفي للجميع، قضى سنوات شبابه في هذه القرية الحالمة سكن العشة والبُكار والعريش تنقل داخل القرية من مكان إلى آخر، ومن جهة إلى جهة أخرى ، حتى أستقر به الحال في بيته الكائن في قرية المقصودة، منعه كبر سنه من الاستمرار للمجيء للقرية التي عاش فيها كما هي عادته بين الآونة والأخرى ، فقد أصبح يذهب لصلاة حيث يذهب أبناءه، فقد ظن البعض أن النسيان أصبح سمة كل شخص في هذا الزمن، وقالوا لو تذكر الزيتون غارسه لأصبح الزيت دمعًا، ولكن في حقيقة الأمر لم ينسى القرية ولم تنساه، فعودته لم تكن بالأمر العادي على الجميع، ولم يكن دخوله جامع القرية في مبناه الجديد بالحدث الذي يمر مرور الكرام ، أستقبله الجميع بالحب والأحضان، بدأ يسأل عن الأهالي وخاصة كبار السن من الرجال والنساء الذي عاش معهم طفولته في أيام البساطة، بدأ ينظر هنا وهناك، المكان نفس المكان، وكأنه يسأل المباني الجديدة الذي تتطاير منها الذكريات المؤرقة، يُقلب صفحات الماضي ويتذكّر أناس لم يبقى منهم سوى الذكرى.
ولسان حاله يقول: سقى الله زمان البساطه، يلبي لها الجميع كل نداء لو يطلب منه روحه ودمه لعطاه.
إنه محمد بن خميس المنتشري
الملقب بـ (بن خميس) الذي بلغ من العمر عتيًا، إلا أن الوفاء في قلبه مازال حياً، مليء بالذكريات، ومليء بالمواقف الجميلة، ومليء بالحسرة على مافات من الزمن الماضي والذكر الطيب وصدق المشاعر.
"ومضة"
زمن تولى من ربيع حياتنا
في ظله ما أجمل الأوقات.