بفضل الله ورحمته مُطرنا وابتلت الأرض بعد جدب، وفرحت النفوس وطربت القلوب لرحمة الله، ورفع الناس الأيدي بالدعاء والتضرع لرب الأرض والسَّمٰوات طارحين بين يديه حوائجهم التي لا تُنال إلا بفضل منه، وكم كنت أتفكر في حالنا وانزعاجنا حين تتسخ سياراتنا بسبب رشة ماء في يوم عادي، بينما اليوم نرى سياراتنا متوشحة بالكامل بالطين بسبب الأمطار ومع ذلك نحن فرحون وتغمر قلوبنا البهجة لهذا الخير الذي أتى على ترقب وشوق ورجاء بعد انقطاع.
وما يتحف الله به عباده من الخير والرحمة بالمطر لا ينقص، أخرج الإمام البيهقي حديثا رواه ابن مسعود رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولفظه: «ما من عام بأقل مطرًا من عام» وأخرج الحاكم في المستدرك هذا الحديث الشريف مروياً عن ابن عباس رضي الله عنهما بلفظ: «ما من عام بأمطر من عام, ولكن الله يَصْرِفُهُ أو يُصَرِّفُه».
لن أتكلم هنا عن الحذر من الحوادث في هذه الفترة فقد كتبت في ذلك قبل مدة، ومع ذلك أوصيكم بالحذر والانتباه، بل سأتكلم عن هذا السيل الكبير في كل المناطق والذي قطع الطرق وملأ السدود والأنفاق، وحجز السيارات في الطرقات، هذا السيل لم يفاجئنا في لحظة واحدة، بل أخذ زمنا حتى اجتمع، ومن ماذا اجتمع، اجتمع من قطرات صغيرة لا نأبه لها ولا نعيرها اهتماما حينما تمر بنا، ولا نشعر بها في حينها، ولكن هذه القطرات اجتمعت فكوّنت ما ترونه من سيول أغرقت أماكن وأعاقت تحركات، وهكذا شأننا مع ما نراه من صغائر الأمور من سلوكيات أو عادات أو كلمات لا نعيرها اهتماما حتى تتشرب بها قلوبنا وعقولنا، فتطغى حتى تصير سيلا جارفا يحدث دمارا في نفوسنا وعلاقاتنا، فتنحرف المفاهيم والقيم، فليكن لنا ميزاننا الثابت والنقي لمعايرة كل ما نسمع ونرى، فنأخذ المفيد السليم وننبذ المضر السقيم، فهذه الصغائر التي لا نعيرها اهتماما هي الخطوة الأولى في طريق المنزلقات.
يحكى أنه كان لبان يخلط اللبن بالماء، فجاء سيل فأهلك الغنم، فجعل يبكي ويقول: اجتمعت تلك القطرات فصارت سيلا.
كلماتنا الإيجابية وبسماتنا النقية ونصحنا الطيب واهتمامنا الراقي قطرات ترتقي بنا لنكون كأجمل ما نحب أن نكون، ومن جعل قطراته خيرا سال عليه الخير، ومن جعل قطراته غير ذلك فلن يسيل عليه من الخير ما يحب.