يتواصل اللقاء بكم هنا في “منبر” عبر زاوية “ما نسيناكم” لنسلط الضوء اليوم على جزء يسير من سيرة الشيخ مستور بن عبدالكريم بن مستور بن إبراهيم الحوذان الرزقي القرني وعندما نستعرض سيرة هذا العلم فنحن نعلم ونعترف أننا لا نستطيع أن نأتي على كل شيء.
والشيخ مستور – رحمه الله- يعد من وجهاء المنطقة وأعيانها لما له من إسهامات مضيئة يعرفها كل من عاشره، فقد أثنى عليه عدد من أهل العلم والفضل ممن عاصره وجالسه أو حتى سمع عنه، وكما قيل “إنما يعرف الفضل أهل الفضل”.
ولعل صور كثيرة ومواقف عديدة تمر أمامي وأنا أسترجع سيرة هذا العالم منها عندما كنا نشاهد أعدادًا كثيرة وغريبة من السيارات تدخل قريتنا “مشرف” كنا نعلم بأن أصحابها يقصدون بيت الشيخ مستور – رحمه الله – إما للاستفادة من علمه وفقهه أو تقسيم تركة بين الورثة أو للتقاضي لديه أو لحل مشاكل اجتماعية وأسرية أو تقدير الشجاج، وكل ذلك لثقتهم في صدقه وأمانته وعدله، ولقد كان ذلك سببا في بناء الشيخ مستور – رحمه الله – لملحق خارجي لمنزله لاستيعاب الأعداد الكبيرة التي تقصده من مختلف قرى محافظة العرضيات بل ومن خارجها، صور كثيرة سيكون وصفها وشرحها من أبنائه أبلغ وأجمل.
وعندما فكرنا في البداية فقد كانت من خلال التواصل مع ابنه الأستاذ إبراهيم بن مستور قبل حوالي شهر والذي كان خير داعم لنا في هذا العمل موفرًا كل المعلومات وسعدنا كثيرًا وقد حرك ذلك رغبته في تأليف كتاب عن والده وهو عمل يسرنا في صحيفة “منبر” المساهمة فيه بكل ما يحتاجه.
حياته الاجتماعية
ولد في 8 ذي القعدة 1338هـ في محافظة العرضيات وتحديدًا في العرضية الجنوبية بقرية آل طارق، حيث عاش الشيخ بداية حياته في قرية آل طارق ونشأ بها وقضى جزءًا كبيرًا من حياته فيها وتزوج زوجته الأولى هناك، ورزق منها بثلاث بنات، وابنه الأكبر فضيلة الشيخ الدكتور عبدالكريم بن مستور الأستاذ المشارك بكلية الدعوة وأصول الدين قسم الكتاب والسنة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة.
انتقل الشيخ بعد ذلك إلى قرية مشرف، وتزوج فيها الزوجة الثانية ورُزق منها بثلاث بنات، كما رزق منها بثلاثة أبناء أكبرهم حمزة الذي يعمل موظفًا بالمرتبة السادسة في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالعرضية الجنوبية.
أما الابن الثاني هو الشيخ إبراهيم بن مستور الإمام والخطيب في جامع آل طارق والمأذون الشرعي في العرضية الجنوبية والمعلم في مدرسة الرازي بشمران، والابن الثالث هو محمد الذي يعمل في القطاع العسكري في خدمة وطنه بمحافظة جدة.
حياته العلمية
تربى الشيخ في بيت علم ومشيخة، وكان أبرز مشايخه والده العلامة الشيخ عبدالكريم بن مستور الذي توفي عام 1378هـ وكان فقيهًا وعالمًا في زمنه وسلفيًا موافقًا لسلف أهل السنة والجماعة، وله العديد من المخطوطات والمكاتبات، وكذلك جده الشيخ مستور بن إبراهيم، مما جعل الشيخ مستور يبرز علمه وفقهه أنه عاش في مكتبة جده الشيخ العلامة في زمانه مستور بن إبراهيم الحوذان الذي كان عالمًا أيضًا في زمانه ومفتيًا وقاضيًا وشاعرًا ومصلحًا اجتماعيًا وإمامًا وخطيبًا، كما تؤكد ذلك وتثبته الوثائق الخطية.
دوره في الأسرة
وهنا كان الحديث للشيخ الدكتور عبدالكريم بن مستور القرني الأستاذ المشارك بكلية الدعوة وأصول الدين والذي كان شبيها بوالده في العلم والمطالعة العلمية والذي قال: “كان والدي محباً لأبنائه وأسرته ومن حوله من أبناء إخوانه وكان يحبهم ويغرس فيهم وفينا حب العلم”.
وأضاف: “مما يدل على ذلك وثيقة نصية قديمة بخط الشيخ الوالد مستور -رحمه الله- موجهًا أحد أقاربه وهو ابن أخيه الشيخ مستور بن محمد -رحمه الله- بوصية وهو في ريعان شبابه يوصيه أولًا بتقوى الله، ثم بطلب العلم وهذا نص رسالة الشيخ -رحمه الله-، بعد بسم الله الرحمن الرحيم (الحمد لله وحده، وصلى الله على من لا نبي بعده، من أفقر العبيد وأحوجهم إلى المَلك المجيد مستور بن عبدالكريم إلى حضرة المكرم الولد الصالح مستور بن محمد – سلمه الله آمين- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إن سألتم عنا لله مزيد الحمد سؤالنا إلا عنكم وغير ذلك أوصيك بتقوى الله، فإنها رأس كل بضاعة والقرآن وتعلم أمور الدين والكتابة هذا ودمتم والسلام والدكم مستور بن عبدالكريم حرر في 2/2/1372 هـ)”.
وتابع: “كان والدي – رحمه الله – يحثنا على الخير والاهتمام بالعلم وعدم إضاعة الوقت فيما لا فائدة فيه كما هو ظاهر من توجيهاته و يردد دائما على مسامعنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم : (اغتنم خمسًا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك )”
و يتمثل بعد ذلك بقول الشاعر الحكيم
اجعل جليسك مجموعاً تطالعه فتستفد منه من علم ومن حكم
ولا تجالس أقواما تساء بهم فتكسب الإثم من سمع ومن كلم
أعماله
وذكر الأستاذ إبراهيم قائلا كان والدي الشيخ مستور بن عبدالكريم قد كُلف من الشيخ قاضي محكمة العرضية الجنوبية يحيى بن يحيى البهلول مقدرًا للشجاج في 12/10 /1389هـ، ثم بعد ذلك لما عرف عنه من تزكيات ونشاطه في المنطقة، عُين بخطاب مباشر من وزير العدل يحمل الرقم 2133 في 23/8 / 1391هـ هذا نصه: (أنا وكيل وزارة العدل، وبناءً على الصلاحية الممنوحة له وبناء على خطاب رئيس محاكم محافظة القنفذة يعين مستور بن عبدالكريم بوظيفة مقدر شجاج بمحكمة العرضية الجنوبية…).
كما عُين الشيخ مستور بن عبدالكريم -رحمه الله- إمامًا وخطيبًا لجامع آل طارق بالعرضية الجنوبية خلفًا لوالده عام 1370هـ واستمر به إلى أن عجز عن القيام بشؤون الجامع بعد إصابته بمرض ألمً به فتقدم بطلب استقالة من عمله كإمام وخطيب لجامع آل طارق الذي عاش فيه خطيبًا ومعلمًا وداعية لأكثر من 50 عامًا.
كان الشيخ -رحمه الله- أثناء فترة حياته العلمية والعملية مهتمًا بشؤون المنطقة التي عاش فيها، وكان مهتمًا بالصلح بين القبائل، فإن بحثت عن صلح قبلي لا شك أنك ستجد اسم الشيخ العلم المصلح مستور بن عبدالكريم أحد المصلحين في هذه الأمور القبلية التي كان يكرس الشيخ وقته وجهده فيها.
ومن الوثائق التي وجدتها وثيقة صلح بين قبائل من تهامة والحجاز في يوم الجمعة الموافق 11/2/ 1406هـ ومعه عدد من مشايخ القبائل في السراة وتهامة، وكما في الوثيقة فهم (الشيخ مستور بن عبدالكريم الرزقي، والشيخ سعيد بن مسلي شيخ قبائل الشعف، والشيخ عبدالله بن حسن وهاس شيخ بني رزق ثريبان، والشيخ محمد بن شعلان شيخ الحميد، والشيخ بركات بن أحمد بن عثمان شيخ بني بحير، والشيخ موسى بن مبارك شيخ بني بحير)، وهذه واحدة من آلاف الوثائق والمكاتبات لوالدي الشيخ مستور كلها تحتوي على وثائق صلح وتقسيم تركات.
وكان له درس يومي على مدار شهر رمضان قبل صلاة العشاء والتروايح يقوم بإرشاد الناس فيه والدعوة إلى الله، ثم يترك مجالًا للناس للإجابة على أسئلتهم التي يحتاجون فيها إلى فتاوى، ومن المواقف الراسخة لدي أن مجلسه لا يكون فيه غيبة أو نميمة بل كان يحب أن يكون مجلسه مجلسًا إيمانيا بعيدًا عن اللغو، ومن ضمن المواقف أنه كان في مجلسه عدد من الحاضرين وكانوا يذكرون فلانًا بصفات ذميمة أمامه من باب المزاح وشغل الوقت، فما كان من الوالد إلا أن غضب غضبا شديدًا.
ومن بين وثائق الشيخ – رحمه الله – كان العديد من المخاطبات له تطالبه بالوقوف على العديد من النزاعات لثقته في قدرته على حل النزاع وتقبل المتخاصمين لما يصدر منه من أحكام.
وهذا خطاب من سعادة أمير القنفذة في وقته رقم 4169 في 24 /8 / 1386هـ هذا نصه: ( بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد : فبناء على ما صدر بخطاب سعادة أمير القنفذة والمعطوف على أمر سمو أمير منطقة مكة المكرمة القاضي بوقوفنا نحن كل من مأمور مركز العرضية الشمالية والشيخ مستور بن عبدالكريم على محل النزاع بين ……).
قالوا عنه
والحديث لا زال للشيخ الدكتور عبدالكريم : “لقد وقفت على وثائق خطية اطلعت عليها صادرة من شخصيات علمية كبيرة تحمل في طياتها تزكية وثناء وإشادة لما وصل إليه الشيخ -رحمه الله- من علم ومن ضمنها تزكية من الشيخ عيسى بن علي الحازمي -رحمه الله- رئيس محاكم القنفذة”.
وأضاف : “كما أشاد به الشيخ يحيى بن يحيى البهلول قاضي العرضية الجنوبية، وتلقى تزكية أيضًا من رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأعضاء فيها”.
وتابع: “هناك رموز وأعلام أثنوا على والدي الثناء الجميل، وأشادوا بعلمه الذي استفاد منه الصغير قبل الكبير وتوارثته الأجيال، ومن ضمن هؤلاء الرموز فضيلة الشيخ الأستاذ البروفيسور سالم بن محمد بن مهراس عميد كلية الدعوة وأصول الدين سابقًا في أبها وحاليًا الأستاذ في قسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى، وقال في حديثه لي ومن ضمن تزكية كتبها بخط يده نصها: (بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد: فإن العلماء ورثة الأنبياء وأن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر. وإن العالم الجليل الشيخ مستور بن عبدالكريم آل عبدالكريم ممن استفدت منه في عدد من مجالس الصلة بين أسرتي واسرة آل عبدالكريم المستمرة على المحبة، فالشيخ -رحمه الله- كان عالمًا بالفرائض والمواريث وتوزيعها، وكان عالمًا بالفقه ومسائله المتعددة، ومتعمقًا في الحدود والديات وتنذير الشجاج، ممارسًا ذلك في المحكمة الشرعية في ثريبان، وكان كثير الإصلاح بين كثير من الناس عن طريق المحكمة وخارجها، كما كان حافظ لمتون كثيرة وقصائد زهدية، واعظًا لا يخلو أي مجلس عند مجالسته للناس من موعظة وتوجيه وبحث في مسائل الفقه وغيرها، رحمه الله رحمة واسعة وجمعنا به في الفردوس الأعلى من الجنة وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه كتبه سالم بن محمد آل مهراس القرني الأستاذ بجامعة أم القرى في 18 /12 /1441هـ).
صالح بن محمد بن صمان من أهالي آل طارق يذكر قصة حصلت أمامه قائلًا: “أنه في مسألة الطلاق والمهر أن قاضيًا كان قد حكم بحكم أخطأ فيه من غير قصد في حضرة الشيخ مستور بن عبدالكريم، فقام الشيخ مستور ونبهه وبيَّن الحكم الصحيح في المسألة فاعتذر القاضي عن الخطأ الذي وقع فيه وصحح الحكم”.
ويذكر محمد بن علي بن محمد القرني عريفة آل بهمان في الظهرة من قبيلة عماره أن الشيخ مستور حضر في قسمة وكان هناك فتاة يتيمة كاد أن يذهب نصف مالها لكن الشيخ وقف معها وقفة قوية أمام من أدعى أنه عاصبًا لها حتى عاد لها مالها كله.
وفاته
هكذا عاش الشيخ العلامة مستور بن عبدالكريم -رحمه الله- معلمًا وداعيًا إلى الله عز وجل إلى أن توفاه الله في قرية مشرف في 23/10/ 1428هـ. رحم الله رحمة الأبرار، وأسكنه أعالي فسيح الجنان.
في الختام … فهذا جزء يسير من سيرة الشيخ مستور بن عبدالكريم بن مستور بن إبراهيم الحوذان الرزقي القرني وشكرًا لكل من شاركنا في هذا الوفاء ونخص الشيخ إبراهيم بن مستور الذي كان خير داعم لنا بالمعلومات والصور وندعو الله تعالى ونردد معكم.. اللهم عامل عبدك مستور بن عبدالكريم بما أنت أهله رحمةً وعفوًا وغفرانًا، اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة، وارفع درجته في جنات النعيم مع الصديقين والشهداء.
التعليقات 1
1 pings
اذكر الله
24/08/2020 في 6:26 م[3] رابط التعليق
رحمه الله كان احد ابرز أعلام المنطقة في مجاله .. الاجتهاد في علمه سمة من سماته.. وما زالت سيرته تطيب ذكراه