إن الناظر المتفحص المنصف للجهود التي تبذلها حكومتنا -رعاها الله- لتخطي هذه الأزمة العالمية يجدها لم تدخر وسعًا وجهدًا وبذلًا في سبيل وقاية المجتمع والإنسان السعودي، وكل من يقيم على أرض المملكة بطريقة نظامية أو غير نظامية، من هذه الجائحة.
فقد سخَّرت لذلك الميزانيات الضخمة والكوادر الطبية، لتوفير الرعاية الصحية على مدار الساعة، وفي كل أرجاء المملكة في حين أن بعض الدول قصرت رعايتها على مواطنيها، والبعض الآخر على من يملكون تأمينًا صحيًا، بل وصل الحال ببعض الدول إلى قصر الرعاية على بعض الفئات دون غيرها، ونحن -بحمد الله- نحظى جميعا بالرعاية الصحية المجانية لكل فئات المجتمع وأطيافه في سابقة أشادت بها الكثير من وسائل الإعلام العالمية.
وحتى تؤتي هذه الجهود ثمارها، ناشدت الدولة الجميع بالتعاون مع أجهزة الدولة المختلفة، لإنجاح الخطة الاستباقية التي ضمَّت حزمة من الإجراءات الاحترازية التي كانت كفيلة -بمشيئة الله- للسيطرة على المرض وتجاوز هذه الأزمة في أقصر فترة ممكنة، ووضعت لذلك عدة إجراءات تحمَّلت تبعاتها كاملة لتكون سلامة المواطن هي الهدف الأول.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، قامت الدولة بتعليق الأعمال لمعظم القطاعات الحكومية والأهلية وتحملت 60% من أجور القطاع الخاص، وعلَّقت الصلوات في المساجد، والدراسة في المدارس والجامعات، إلى آخره من مجموع القرارت التي كانت كلها تصب في مصلحة المواطن، وآخرها كانت تطبيق الحظر الجزئي، ثم الكلي، ثم نجد بعد كل هذه الجهود والتضحيات المبذولة من الدولة من يعتقد أن هذا الحظر حد من حريت،ه وأنه حر يستطيع أن يخرج متى يشاء، وأن الوضع عادي ولا يلقي لكل تلك الإجراءات والتحذيرات التي تطلقها وزارة الصحة كل يوم بالًا.
فمع كل هذه القيود نجد الحركة المرورية لا تزال تراوح 46% والمخالطة المجتمعية تصل إلى 50% فأين وعي المواطن الذي كانت الدولة تعول عليه منذ بداية الأزمة؟ وأين المسؤولية المجتمعية وتقديرها حيال هذا الوطن الغالي الذي يبذل الغالي والنفيس في سبيل المحافظة على سلامة مواطنيه؟ وكيف وصل الاستهتار بالبعض إلى التعدي على رجال الأمن اوالإساة لهم أثناء تأدية عملهم؟ وهم يعملون الساعات الطوال، وبسهرون من أجل راحة وسلامة الجميع ليكون جزاؤهم بدل الشكر والتقدير جحودًا ونكرانًا وإساءة.
وبفضل الله، فهذه حالات فردية نادرة، لكن الاستهتار بالإجراءات موجود ومن شريحة ليست بالقليلة مع الأسف، مما ينذر -لا سمح الله- بتدهور الوضع الصحي، وبالتالي مع تفاقم الأعداد إلى انهيار النظام الصحي، وعدم استيعابه للحالات، كما صرح بذلك معالي وزير الصحة بكل شفافية ووضوح بأنه إن استمرت هذه التجاوزات، فقد نصل إلى 200 ألف مصاب -لا سمح الله-، وحينها لن يكون النظام الصحي قادرًا على استيعاب كل هذه الحالات، ليس تقصيرًا من الدولة فهي مستعدة أن تبذل الغالي والنفيس من أجل مواطنيها، ولكن كما أوضح معاليه لأن المعروض في السوق العالمية من الأجهزة الصحية التي يحتاجها المرضى بهذا الفيروس غير متوفرة، فمتى سنعي حجم هذه المسؤولية؟ ومتى سنتشعر حجم ما تبذله الدولة بجميع أجهزتها ونتعاون معها لنصل -بإذن الله- إلى بر الأمان سالمين، وقد تجاوزنا هذه الأزمة ورجع كل منا لممارسة حياته الطبيعية بدون قيود؟
نحن جميعًا يجب أن نتعاضد، ونقف مع أجهزة الدولة ومع رجال الأمن لإنجاح هذه الخطة، وإلا فإن النتائج ستكون مؤسفة -لا سمح الله-. نحن نثق في الله أولًا، ثم في وعي مجتمعنا، لكن أحيانًا يكون هناك من يمارس سلوكيات قد تكون آثارها السيئة على المجتمع بأسره، لأننا في سفينة واحدة وإذا غضضنا الطرف، وتركنا بعض الركاب يخرقونها، فسنغرق جميعًا -لا قدر الله-، كما في حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- عن النبي ﷺ قال: "مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذِ مَن فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا" رواه البخاري.
فنحن ركاب هذه السفينة والسفينة هي وطننا الغالي الذي يحتاج منا اليوم أن نحافظ عليه وعلى سلامته بكل ما أوتينا من قوة وقدرات وإمكانات، وأقل ما نقدم له أن نساعد المسؤولين في إنجاح خططهم والقيام بواجبهم تجاه وطنهم ومجتمعهم من خلال مطلب بسيط نقدر عليه جميعًا -بإذن الله- وهو البقاء في بيوتنا أكثر وقت ممكن، وعدم الخروج إلا للضرورة القصوى، والالتزام بالتباعد الاجتماعي، وبهذا نكون قد ساعدنا قيادتنا -حفظها الله- لخدمتنا والوصول بنا -بإذن الله- إلى بر الأمان وتجاوز الأزمة سالمين غانمين.