بعد 13 يومًا على المظاهرات غير المسبوقة، التي عمت كل أنحاء لبنان، بما في ذلك الحواضن الشعبية لميليشيا حزب الله وحركة أمل الشيعيَّيْن، تجاوب رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحرير اليوم (الثلاثاء) باستقالته إلى رئيس الجمهورية ميشال عون احترامًا لإرادة المحتجين الذين طالبوا طيلة أيام التظاهر الماضية بإسقاط الحكومة، وإسقاط النظام، الذي يصطلح على تسميته في لبنان بـ”العهد”، ويتشكل من كتلة “حزب الله” وتيار ميشال عون المتحالفين معهما، ويدين بالخضوع الكامل لـ”حزب الله”، ويلتزم بالسياسات التي تمليها إيران.
وعلى النقيض من تفهُّم “الحريري” لمطالب اللبنانيين، الذين يئنون تحت وطأة الفساد وانهيار الخدمات والبطالة والغلاء المعيشي، واحترامه لإرادتهم بتغيير الحكومة القائمة على المحاصصة، خرج “حزب الله” منذ بداية المظاهرات على الإجماع اللبناني الذي جسَّده المتظاهرون، وأعلن أمينه حسن نصر الله في أول خطاب له بعد اندلاع الاحتجاجات تأييده لاستمرار الحكومة و”العهد”، كما هدد المتظاهرين ملوحًا بإنزال أعوانه إلى الشارع.
ولم يكتفِ “نصر الله” بترهيب المتظاهرين، بل اتهمهم في خطابه الثاني بالخيانة والعمالة إلى الخارج، وتلقي أموال من السفارات، رغم ولائه المعلن لإيران، واعترافه بأنه جندي من جنود “ولاية الفقيه”، وينفِّذ مشروع إيران التوسعي للهيمنة على المنطقة، وأعقب اتهاماته الباطلة بإطلاق قطعان ميليشياته على المتظاهرين العُزَّل في بيروت وصور والنبطية للاعتداء عليهم، والتنكيل بهم، وتمزيق خيامهم.. واستمرت اعتداءاتهم من منتصف الأسبوع الماضي حتى اليوم قبيل تقديم “الحريري” استقالته.
وشتان بين “الحريري” الذي تصرف بمسؤولية، أملاها عليه ضميره الوطني، واحترم إرادة المتظاهرين، و”نصر الله” الذي قمعهم، واعتدى عليهم، وافترى عليهم بتهمة الخيانة؛ فـ”الحريري” يحرص على لبنان، ويسعى إلى حمايته من التدهور، و”نصر الله” يتاجر بلبنان، ويفرض نفوذه على مؤسساته بالسلاح المتطور الذي تمتلكه ميليشياته.
ومن البداية أبدى “الحريري” احترامه للمظاهرات، بل اعتبرها قوة دافعة لإجراء الإصلاحات التي كان ينشدها منذ تشكيل حكومته، في حين عارض “نصر الله” المظاهرات، وسعى إلى إيقافها بالقوة معتمدًا على السلاح الذي زودته به إيران ليقمع خصومه في الداخل، ويخوض معها صراعاتها الإقليمية في سوريا والعراق.