قد أسلفت فيما مضى أسطر متواضعة البناية والأفكار وأسهبتُ في إطار الحّب وإرتباطه في الحياة، وانا الان بعدما قرأت من عراب الأشجان وصاحب القلم الفضفاض الكاتب علي الفيفي في كتابه “الرجل النبيل” الذي أوجز في طياته بعضً من حياة الرسول عليه الصلاة والسلام بإسلوب جذاب ومرن، اترنم في اطياف الحب على سبيلهِ الرائع.
وكما ان المولود في الدنيا رزق يَهبهُ الله من يشاء من عبادهِ، وصلاحُ الابن/ة في الاسرة رزق يرزق الله من أراد فإن الحّب لا ريب أنهُ رزقُ من الله يُنزلهُ على قلبك فيخفقُ القلب لمن اراد الله ان يخفقً له فتحّب بصدقِ وتُخلص في محبتك وتذكرهُ في ثنايا دعاءك وصلاتك وتنبعث الطمأنينة بقربهِ ويندثر الخوف من كوادر الازمنة ومصائبها بوجوده.
وبالحب الصادق ترتوي الأفئدة بالصبر والتضحية والفناء وتتألف على الوصل والعطاء، يصغى الحبيب إلى حديثك بحدبٍ ويظهر معالم الاهتمام وان تكرر حديث الامس، يحدق بصره نحوك وكأنه اول لقاء يجمعكم، يعيرك جُل الاهتمام على الدوام ويتجاهل عنفوانك في احرك الظروف، في طيات حياته تجد تفاصيلك الصغيرة وقد استنسخها منك، لا تخشى البوح في حضرته وتسترسل بالحديث بشغف وحماسة.
إنّ الحّب لا يأتي بطلب ولا إنهماك، ولا يكون بفيض اتصالات ولا فوضى رسائل عابرة ولا جمالية كلام وأعذوبة صوت، بل هو رزقُ تُرزق به ويخفق به وله القلب وينبثق شذى الحّب من احشاءه وتبصر الحياة بألوان الزهر ورائحة العجاجيز التى تُعيد لك الحياة من جديد، تُسود الارض بما رحبت من حولك ولا دفء يحويك سواه، وفِي كنفيه تشعر بالاكتفاء فلا حاجة ولا فراغ نفس.
وأجمل وأروع ما قيل ( قد رزقُت حبها) رزق النبي عليه الصلاة والسلام حّب خديجة رضي الله عنها التى كانت العون والحبيبة والثابتة معه في أحلك الظروف، نصرتهُ بمالها، وعقلها،وحكمتها، التى أحبته حباً جما وبادلهَا هو بذلك الحب، ومن شدة محبة النبي عليه الصلاة والسلام لخديجة رضي الله عنها في روايةٍ قَالَت عائشة رضي الله عنها : اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَديجَةَ عَلَى رَسُول اللَّه ، فَعَرفَ اسْتِئْذَانَ خَديجَةَ، فَارْتَاحَ لذَلِكَ، فقالَ: اللَّهُمَّ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ.فهذا يدل على أنَّ من كرم الأخلاق ومن طيب السَّجايا: الإحسان إلى الزوجة الصالحة وأقاربها وأصدقائها، كما فعل النبيُّ عليه الصلاة والسلام، ولما استأذنت عليه هالةُ بنت خويلد أختها ارتاح لذلك، فلما سمع صوتَ هالة تذكر خديجة وفضلها وحُسن عشرتها، فقال: اللهم هالة.
ختاماً
الحّب ليست رسائل متداولة وشعور مؤقت يحضر ويتلاشى حسب الأمزجة، الحب شعور اعظم وأسمى من ان ينطق والمواقف كفيلة بإثباته، الحب ثقافةُ يجب ان تُنشر، ولغة يجب ان تُدّرس، واحاسيس يجب أن تبث، فالحياة كالحةُ واذا لم نعالجها بشيءٍ من الحب ستُصيبنا بداء الغلظ والهشيم، فنتفتت دون أن نشعر.