حاول مواطنون في زحمة المطر تجاوز تعليمات المرور بعكس السير، والخروج عن حدود الطريق بالقفز على الأرصفة، وقابلهم رجل المرور بكاميرا جواله، والتقط صوراً لأرقام لوحات سياراتهم، ولم يلتفت لهم، أو يتحدث معهم، أو يعطّل حركة السير لسماع مبرراتهم، أو حتى تحرير مخالفات صفراء تستغرق منه وقتاً، وربما جهداً نظير أعداد المخالفين.
وفي دقائق انتظم السير، وعاد المخالفون إلى الوراء، وتنبه غيرهم من قائدي المركبات، وعادوا هم أيضاً إلى جادة الطريق، حيث نظامية السير بلا تعكير، أو مغامرات، أو حتى تجاوز على حقوق الآخرين.
المشهد رصدته عن قرب وأنا في رحلة عائلية في طريق أحد المتنزهات القريبة من فياض الرياض، ورغم المطر، وبرودة الجو، وأعداد المتنزهين الكبيرة جداً، إلاّ أن رجل المرور كان حاضراً في الميدان، وينظم السير، ويخالف على كل صغيرة وكبيرة، ونجح إلى حدٍ كبير في ضبط حالة الفلتان التي كان عليها بعض المتنزهين، وإصرارهم على المغامرة، والمخالفة أيضاً بحجة المطر!.
موقف رجل المرور ليس ارتجالياً حتماً، وإنما بناءً على توجيه، حيث يعد التصوير من رجل المرور كافياً لإثبات المخالفة في وقتها، ولكن السؤال: لماذا اكتفى بتصوير اللوحة، ولم يصوّر المخالفة محل الإدانة، كما يفعل نظام "ساهر" مثلاً؟، وهل يحق للمخالفين الذين رأيتهم بالعشرات، وطبيعي أن يصلوا إلى المئات في نهاية اليوم أن يعترضوا قانونياً على المخالفة، خاصة أن تصوير اللوحة غير كافٍ للإدانة، وليس له سند قانوني في نظام المرور؟.
سؤال مشروع، ولكنه لا يقلل أبداً من خطوة المرور المميزة في ضبط الشارع بأي وسيلة مشروعة لا تعطّل السير، أو قد يصل معها الازدحام إلى حالة من التكدس في انتظار تحرير مخالفة مكتوبة، وموثقة، وتسليم نسخة منها، ولكن في الوقت نفسه لا يفتح المرور على نفسه اعتراضات بالجملة في تحرير مخالفة تصوير لوحة لا يوجد لها نظام، أو تفسير في لائحته، ويتم بموجبها تغريم المخالف بطريقة ربما تكون مخالفة في أساسها!.
هذا الموضوع يعيدنا إلى سؤال آخر، وهو تأخر إنشاء المحاكم المرورية في المملكة أسوة بدول العالم، ولماذا المرور أصبح الخصم والحكم في تحرير المخالفة، والنظر في هيئة الفصل في المنازعات حق الاعتراض عليها؟.
اليوم مخالفة قطع الإشارة وصلت في حدها الأعلى ستة آلاف ريال، وهناك مخالفات مرورية وصلت إلى السجن والغرامة وإيقاف الخدمات، وهي منصوص عليها في النظام بعد التعديلات الأخيرة لنظام المخالفات، والهدف منها ضبط الشارع، والتقليل من نسب الحوادث التي راح ضحيتها الآلاف، وتسببت في إعاقات مستديمة، وأخرى لا تزال تراجع في مستشفيات ومراكز تأهيل لتخفيف حجم المعاناة، فضلاً عن أكوام الحديد التي تحولت معها السيارات في مناظر بشعة، ومزعجة، ومخيفة..
كل هذا متفقون عليه، ونؤيده، ونشدد عليه، ونقف مع رجل المرور في أداء مهمته لإيقاف هذا النزيف، ولكن لن تكتمل منظومة الإثبات إلاّ بمحاكم مرورية تنظر في دعوى المخالف المتضرر من وجهة نظره، وتقديم المرور ما يثبت صحة إجرائه، وسلامة وثائقه، بما فيها التقارير والصور، والشهود أحياناً، ويقول القضاء كلمته ليس في دوائر نظر مختصة داخل المحاكم العامة في أكثر من 18 مدينة ومحافظة، وإنما في محاكم متخصصة بالحوادث المرورية والمخالفات، والفرق كبير بين دوائر ومحاكم، سواءً في العدد، أو الاختصاص، أو تشديد العقوبات إلى حد التعزير بالمخالفين.