أدى جموع المصلين وزوار بيت الله الحرام صلاة الجمعة اليوم وسط منظومة متكاملة من الخدمات التي تقدمها الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي؛ حيث أم المصلين معالي إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ صالح بن حميد.
وابتدأ معاليه خطبته بحمد الله والثناء عليه, ثم أردف قائلا: فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله – رحمكم الله – وتزودوا من ممركم لمقركم، واحذروا التواني والغفلة، وأحسنوا العمل في هذه الدار، واجتهدوا فيما بقي من الأعمار، طهروا بفيض الدمع ادران القلوب، وأيقظوها بتجافي الجنوب، جعلني الله وإياكم ممن تنفعه المواعظ الزاجرة ، وجمع لي ولكم خيري الدنيا والأخرة، فمتاع الدنيا قليل والأخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا .
مبينا: أن التعاطي مع الأحداث وأخذ العبر يكون بصدق التعلق بالله، ثم بالعقل الحصيف، والهدوء الحذر, والحكمة ضالة المؤمن، وليس التذمر مصلحا للأمم، والنقد وحده لا يقدم مشروعا، وردود الأفعال المجردة لا تبني رؤية راشدة؛ وفي بعض اللحظات والمحطات قد يحتاج المرء إلى التأكيد على الثوابت، والتركيز على الأسس أمام سيل الإعلام الجارف بأدواته ومواقعه، وما يحفل به من تلبيس في الطرح، وانحراف في التحليل، وتعسف في التفسير، وعبث بالكلمات والمصطلحات، ناهيكم بالتضليل، والتزييف، وخلط الأوراق، كل ذلك لإيجاد مزيد من التوتر والبلبلة عن طريق معرفات مجاهيل في مصالح ضيقة، أو نائحة مستأجرة.
منبهاً بقوله: حين يتداعى المرجفون، ويتطاول المتربصون، فإن الذب عن الدين، ولزوم الجماعة، والاجتماع على القيادة، يكون لزاما متحتما من أجل صد الشائعات، وإبقاء اللحمة، والحفاظ على الوحدة .
والعاقل المتأمل يرى من حوله سفنا تُخرق، وأخرى تغرق، فالحذر الحذر من مفسد، أو حاقد، أو طامع، أو حاسد، أو جاهل ليتعدى على السفينة فيخرقها ثم يغرقها، وقد يكون ذلك من خلال حديث مكذوب، أو استدلال محرف، أو تعليق مريب، أو تفسير متعسف.
مستكملاً: وان شئتم نموذجا لهذه السفينة المستهدفة فتأملوا ما يحاول فيه بعض المتربصين، وذوي الأغراض، والأهواء، والمتطرفين من النيل من حصن الدين، وقبلة المسلمين- بلاد الحرمين الشريفين-مأرز الإيمان، ورافعة لواء الشرع، وتحكيم الكتاب والسنة، غايتها في رايتها :” لا اله الا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم “، توحيد الله شعارها، والحكم بما أنزل الله دستورها، والبيعة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم نهجها، والدين والحكم فيها أخوان، مما ينتظم سياسة الدين والدنيا.
العقيدة، والوحدة الوطنية، ولزوم الجماعة، والحفاظ على البيعة، وحماية المقدسات هي الأعلى والأغلى في أهداف الدولة وخططها وبرامجها.
دولة عربية إسلامية حافظة-بعون الله وتوفيقه-أمن الحرمين الشريفين، وراعيتُهما، وخادمتهما، محافظةٌ على المقدسات، والشعائر، والمشاعر.
معقل التوحيد والسنة، ودار المسلمين، وطن يسكن التاريخ، ويسكنه التاريخ, إنها دولة كبيرة- ولله الحمد والمنة-بدينها، وأهلها، وقيادتها، وتاريخها، مؤثرة في ميزانها، وموقعها، واقتصادها، وسياستها، وقوتها، وقرارها .
وستبقى-بإذن الله-لها أدوارها، وعلاقاتها الواسعة الرزينة الرصينة، ونفوذها النفاذ, العقلاء يدركون أن هذه البلاد لو تأثر موقعها، فسوف تتوسع دائرة القلق، والفشل، والتمزق في المنطقة، وخارج المنطقة.
إن المتربصين، وذوي الأهواء، والقوى المتطرفة، يستهدفون هذه البلاد بسمعتها، وتأثيرها، وقوتها، ووحدتها، وثقلها الديني، والسياسي، والاقتصادي، والعسكري، وانظر فيمن يحاول التطاول على بلاد الحرمين الشريفين لا تكاد تراه إلا متهما في مقصده، أو إمعة يسير خلف كل ناعق، ناهيكم بأن كثيرا مما يطرح ما هو إلا تنفيس عن غايات مدخولة، وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله:” تتبع سهام المخالفين حتى ترشدك إلى الحق”.
وان مما هو معروف-ولله الحمد-أن هذا الاستهداف لم يكن وليد الساعة، بل هو قديم يتجدد، أو يتلون، حسب الظروف والمستجدات والأغراض، وفي كل ذلك تخرج هذه الدولة المباركة مرفوعة الرأس منتصرة لصدقها مع ربها، ومع شعبها، ومع المسلمين، وصدق علاقتها ، ووضوح منهجها، وجلاء تعاملها.
وأشار معاليه إلى وجوب الحيطة والحذر من الإفراط في التعميم، ثم التوظيف، والتسييس، والاستهداف، والهجوم، والخلط في القضايا، بل التلبيس في الطرح، والتحليل، والتفسير، فاستقرار الحكم يغيظ المتربصين، والالتفاف حول القيادة يكيد الشانئين، في تصيد مقيت، وتلفيقات آثمة.
ثم الحذر من إضاعة المكاسب، وإزالة النعمة، نعمة علو الدين، واجتماع الكلمة، ورغد العيش، وبسط الأمن، والالتفاف حول ولاة الأمر، والنصح الصادق، والسعي في الإصلاح، والوقوف في وجه كل متربص، والتحدث بنعم الله في إبداء المحاسن، والخوف من التنكر للنعم بالتبرم، وتعداد النقائص, فاستيقنوا ثم استيقنوا أن منع الفتن أسهل من دفعها، ومن لم يعتبر جعل نفسه عبرة لمن يعتبر، ومن لم يقرأ التاريخ نسيه التاريخ.