في الحكاية الماضية أشرت إلى دراسة تحليل الخصائص النفسية والاجتماعية المتعلقة بسلوك قيادة السيارات في بلادنا تلك الصادرة عن اللجنة الوطنية لسلامة المرور. أول ما سيلفت انتباه من يطلع على الدراسة التركيز على التصرفات الدالة على سمات شخصية السائق القلق والاندفاعي والعصابي والقهري.
فالقلق حسب الدراسة باعتباره حالة من التوتر والاضطراب والخوف وتوقع الخطر يؤثر بشكل مباشر على السلوك واتخاذ القرارات أثناء عملية قيادة السيارات، ومن خلال التجربة اتضح أن المدن الكبرى باكتظاظها وضجيجها والضغوط التي تأتي على السائق من كل جانب لا شك بأنها من مثيرات القلق المؤدي إلى الاضطراب وبالتالي تزايد الفرص (خصوصا في غياب رجل المرور) لانتهاك قانون المخالفات المرورية أو الاشتراك كطرف في حوادث السيارات.
العصبية من أنماط السلوك الشائع جدا في شوارعنا وربما هي السمة التي قد يلاحظها حتى غير المتخصص في علم النفس. كثير من السائقين وخصوصا فئة الأعمار الصغيرة تتسم قيادتهم بالبعد عن الاتزان الانفعالي أو الثبات لهذا يتورطون كثيرا في ارتكاب المخالفات والوقوع في الحوادث.
ارتكاب الأخطاء الشائعة أثناء قيادة السيارات يجعل منها نمطا لعادات اجتماعية يتعلمها الفرد ويقلّد فيها الآخرين لتصبح جزءا من سلوكه الفردي الذي يمارسه كتوافق مع تلك العادات السلوكية الشائعة حتى ولو لم يقتنع الفرد بما يفعل.
الذين يصفهم المجتمع بالــنفسيات هم الذين تصنفهم الدراسة بالشخصيات القلقة أو الاندفاعية أو العصابية أو القهرية وهم الذين نتشارك معهم في منفعة الطريق. بل ربما يكون أحدنا من هؤلاء النفسيات وهو لا يعرف.
نتسابق معهم أحيانا ونتعاند ويغضب بعضنا من بعض وربما يصل الحال إلى التلاسن أو المشاجرة ولكن لو فكرنا قليلا لوصلنا إلى حقيقة بأننا مجرد (طرقيّة) كما يقول أهلنا في البادية، تنتهي علاقتنا بانتهاء استخدام تلك المنفعة العامة.
قد لا نلتقي معهم مرة أخرى فلماذا نعتبر كل من يخطئ علينا في الطريق يتعمد إهانتنا؟
لو تخلصنا أولاً من هذا المفهوم واهتم كل منا بالنظر في عيوبه والسعي إلى تصحيحها ربما تصبح حالتنا المرورية أفضل.
سأعود مرّات للدراسة الثرية وأظنها الوحيدة في مجالها وأحاول استخلاص وإيجاز ما غاب عن أذهان كثير منّا حول تردي الوضع المروري في بلادنا فالتصرفات التي تجعل المجتمع يقول عن فرد أو مجموعة بأنهم نفسيّة/نفسيات أساسها قلق على الطريق.